Thursday, January 18, 2018

مئوية عبد الناصر: الزعيم الوطني والدولة الأمنية

مئوية عبد الناصر: الزعيم الوطني والدولة الأمنية

رأي القدس

Jan 16, 2018

http://www.alquds.co.uk/?p=861894&utm_source=feedburner&utm_medium=email&utm_campaign=Feed%3A+AlqudsEditorial+%28Alquds+Editorial%29

كثيرة هي الدروس التي يمكن استخلاصها في مناسبة الذكرى المئوية لولادة الزعيم المصري جمال عبد الناصر (1918 ـ 1970)، ليس على الصعيدين المصري والعربي فقط، بل كذلك على صعيد دولي يتجاوز بلدان «العالم الثالث» حسب التسمية القديمة، ويشمل قوى الاستعمار القديم والهيمنة الحديثة، ومراكز الاستقطاب الكبرى المعاصرة.
الدرس الأول يخص مصر، إذ ثمة من يساجل بأن عبد الناصر كان أول رئيس مصري يحكم البلد بعد الفراعنة، بالنظر إلى أن حكامها وفدوا على رأس الجيوش العسكرية، ابتداء من اليونان والبطالمة، مروراً بدول ما بعد الفتوحات الإسلامية، وانتهاء بالعثمانيين وسلالة محمد علي باشا. ولهذا فإن أعظم إنجازات عبد الناصر هي تلك التي استهدفت تحسين مستوى معيشة أبناء الطبقات الفقيرة والكادحة عبر مشاريع كبرى مثل الإصلاح الزراعي والسد العالي والتصنيع الثقيل وكهربة الأرياف، بالإضافة إلى إصلاح التعليم والصحة والخدمات العامة. 
الدرس الثاني هو الأبعاد العربية لهذه الزعامة المصرية، لأن حركة «الضباط الأحرار»، التي طوت صفحة الملكية في 23 تموز/ أيلول 1952، كانت قد انبثقت أصلاً على خلفية هزيمة الجيش المصري في فلسطين. ومن هنا تبلور الحس العروبي العميق لدى عبد الناصر، والذي سيدفعه إلى إقامة الوحدة مع سوريا سنة 1958، والتدخل لصالح حركات التقدم والتحرر والاستقلال ومناهضة الأحلاف الرجعية، في اليمن والعراق والجزائر وتونس وسواها. ولأن هذه المواقف جلبت على عبد الناصر سخط القوى الاستعمارية، خاصة بعد القرار الوطني التاريخي بتأميم قناة السويس، فقد تعرّضت مصر لعدوان ثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لم تخرج منه منتصرة ومتماسكة أكثر من ذي قبل فقط، بل احتلت مكانة قيادية على مستوى الشعوب الخاضعة للاستعمار. 
ومن هنا الدرس الثالث، أي مقدار ما يمكن للزعامة الوطنية الأصيلة أن تكتسبه في امتدادها إلى نطاقات خارجية أبعد من العالم العربي، أو حتى الأفريقي. ذلك لأن عبد الناصر كان أحد أبرز مؤسسي حركة عدم الانحياز، إلى جانب زعماء كبار من أمثال الهندي نهرو واليوغسلافي تيتو والغاني نكروما. وإلى عبد الناصر يعزى مفهوم الحياد الإيجابي، الذي ميّز بين مواقف أمريكا والاتحاد السوفييتي من قضايا تحرر الشعوب، ولكن دون التحاق بأي من المعسكرين المتصارعين خلال الحرب الباردة.
لكن الدرس الرابع هو أقدار الزعيم الوطني في إطار الدولة الأمنية، التي تقوم أصلاً على تمكين العسكر من مقاليد الحكم المدنية وتضعهم بالتالي فوق القانون والمؤسسات. ولأن عبد الناصر جاء هو نفسه من قلب حركة عسكرية انقلابية، فقد استدعى هذا أن يكون الضباط هم عماد دائرة السلطة من حوله، وأن يمارس هؤلاء سياسات انفراد وتسلط واستبداد، خاصة بعد حلّ الأحزاب وفرض «الاتحاد الاشتراكي» حزباً أوحد للنظام والمجتمع معاً.
ومن المعروف أن آثار هذا الخيار لم تقتصر على قمع الحريات العامة وتعطيل الحياة الديمقراطية ومصادرة الرأي، لأنها آلت في نهاية المطاف إلى تصارع كبار الضباط من خلال مؤسساتهم العسكرية والأمنية، وإلى هزيمة نكراء أمام إسرائيل في سنة 1967. وتلك كانت الذروة المأساوية القصوى في آلام زعيم وطني، كانت زعامته قد ابتدأت مع ذلك من حلم نبيل بتحقيق آمال شعبه.

No comments:

Post a Comment