Friday, June 6, 2014

حفتر يدعو مصر لاحتلال ليبيا


رأي القدس
June 1, 2014
http://www.alquds.co.uk/?p=175182

في لقاء صحافي معه نشر أمس صرّح اللواء الليبي «المتقاعد» خليفة حفتر أنه «مع أي ضربة عسكرية تؤمن حدود مصر حتى داخل ليبيا» في دعوة مباشرة للحكومة المصرية للتدخل العسكري في بلاده.
الخريطة الجغرافية التي اقترحها حفتر تمتد من «درنة وبنغازي وأجدابيا وسرت وطرابلس» حتى «الحدود الجزائرية»، فيما يشبه شيكاً على بياض لاحتلال الأرض الليبية من شرقها الى غربها.
حجّة حفتر في هذا الاستدعاء هي ان السلطات الحاكمة في طرابلس غير قادرة على تأمين الحدود مع مصر، والسؤال الأول الذي يخطر على بال المستمع الى تصريح حفتر المثير للجدل ان يوجهه له هو التالي: ما دمت تنطّعت لقيادة «عملية الكرامة» لمواجهة ما تسميها المجموعات «الموبوءة» من «تكفيريين» و”ارهابيين” في كامل ليبيا فماذا يعجزك عن حماية الحدود إذن؟
الواضح من هذه الدعوة والجغرافيا الواسعة التي يقترحها لأعدائه في ليبيا أن حفتر قد أدرك أن المهمة التي رفع لواءها أكبر بكثير من قدراته العسكرية وأن الرغبة المحسوسة ضمن قطعات عسكرية وجهات سياسية وإعلامية واقتصادية ليبية لإنهاء الفوضى والانقسام لا يمكن صرفها في انتصار عسكري وسياسي سريع على الأرض.
والواقع أن خليفة حفتر قد ارتكب مجموعة كبيرة من الأخطاء الفادحة التي ستفقده بالتدريج أي مصداقية ممكنة لأي راغب في التأثير في القرار السياسي لليبيا.
أول خطيئة كانت رفض حفتر للكيانات الشرعيّة الوحيدة الموجودة حالياً والممكن البناء والتطوير عليها في ليبيا، وأهمها المجلس الوطني الليبي (البرلمان) والحكومة، ورئاسة أركان الجيش الليبي، واقتراحه قيادة تلغي كل ما تأسس بعد ثورة 17 فبراير /شباط الليبية، واستعادة القذافية باسم جديد.
هذه الخطيئة جعلت حفتر، سياسياً، في موقع لا يختلف عن موقع التنظيمات السلفية المسلّحة التي تناهض هي أيضاً مبدأ الانتخاب وترفض بالتالي الكيانات المبنية عليه، الأمر الذي جعل منه شريكاً لهذه التنظيمات في رفض الأسس الديمقراطية والمدنية للدولة الليبية الحديثة، لا نقيضاً لها.
والخطيئة الثانية التي قام بها حفتر كانت الخلط المتقصّد بين التنظيمات الآنفة الذكر وجماعة الإخوان المسلمين وهو تنظيم قادر على تمثّل وهضم النظام الديمقراطي، وهو أمر أثبتته التجربة التونسية وتجارب أخرى كثيرة في العالم.
والأغلب أن حفتر المستعجل الوصول للسلطة أراد من هجومه على الإخوان المسلمين واعتبارهم ارهابيين توسيع جبهته الخارجية، وتأمين تغطية إقليمية مصرية له، مراهناً على صراع الحكومة المصرية مع الإخوان، و”بيع″ القضية للدول العربية التي جعلت تجريم الإخوان ومطاردتهم بنداً أولاً في أجندة محاربتها لـ «الربيع العربي».
واذا كانت وعود استئصال «الإخوان» هذه قد بيعت في سوق الصرف الخارجي فقد ارتدّت على حفتر داخلياً باتساع جبهة معارضيه لتضمّ، عملياً، كل جماعات الإسلام السياسي، وهي وصفة ناجعة لحرب أهلية ستجعل ليبيا أرضاً مفتوحة لصراع اقليمي يزلزل شمال وجنوب إفريقيا، ولن يكون بعيداً، بالتأكيد، عن الوصول الى الشواطئ الأوروبية.
الواضح أن المقصود الحقيقي الذي عناه اللواء من دعوته الجيش المصري للتورّط في ليبيا هو التعجيل في تحقيق ما يعجز هو عملياً عن تحقيقه: تمهيد الطريق له لاستلام سدّة السلطة في ليبيا، وهي فكرة لا تدلّ على سداد رأي أو حكمة أو فهم أوليّ للسياسة ومعطياتها.
اللواء حفتر الذي كان ضابطا في جيش القذافي، لم يتعلّم الدروس الشائكة للسياسة، لا من فشل حروب تدخل القذافي في أراضي الآخرين، والتي كان حفتر نفسه من ضحاياها عندما أسرته القوات التشادية، ولا من إقامته المديدة في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تشهد إنقلاباً عسكرياً واحداً في تاريخها.
دعوة حفتر مصر لاحتلال ليبيا، لو تحقّقت، ستدشّن مرحلة كارثية جديدة في المنطقة، ولا نعتقد أن مموّلي الضابط الانقلابي وداعميه يجهلون ذلك.

رأي القدس

No comments:

Post a Comment