Wednesday, February 29, 2012

ذكرى أول شهداء التطبيع - سعد أدريس حلاوة


من هو سعد إدريس حلاوة

هو سعد إدريس حلاوة المزارع ابن محافظة القليوبية أول من مات رفضا للتطبيع بين مصر وإسرائيل في فبراير عام 1980؛ حيث شغلت قصة حلاوة العالم في تلك الفترة التي مضى فيها الرئيس السادات في تنفيذ مخطط التطبيع مع إسرائيل بالرغم من الرفض الشامل لهذه الخطوة من كافة التيارات السياسية بمختلف توجهاتها.

وترجع قصة حلاوة المولود في الثاني من مارس 1947 في أسرة ريفية متوسطة اقتصاديا، تمتلك عدة أفدنة زراعية بقرية "أجهور" التي تبعد نحو 30 كم عن العاصمة القاهرة. وهو أخ لخمسة أشقاء وشقيقة واحدة جميعهم تلقوا تعليمًا عاليًا وتولوا وظائف حكومية باستثناء سعد الذي اكتفى بالمرحلة الثانوية واتجه إلى مساعدة والده في زراعة الأرض.

وظلت حياته هادئة وطبيعية في القرية مثل ملايين المصريين، يذهب إلى الحقل مبكرًا ويعود إلى المنزل في الغروب، ويؤدي الفرائض بانتظام، ولا ينتمي لأي تنظيم سياسي باستثناء التنظيم الذي يسميه البعض "تنظيم الشعب" ويقصد به المواطن العادي الغيور على مصلحة وكرامة مصر، وهو تنظيم يضم في عضويته الملايين من أبناء هذا الوطن.

يوم الثلاثاء 26 فبراير 1980.. منتصف النهار تماما.. سيارة سوداء تتحرك في شوارع القاهرة من الجيزة إلى قصر عابدين في وسط القاهرة.. في مقدمتها علم صغير شاذ عن الفضاء النقي من حوله يحمل نجمة داود.. وبداخل السيارة شخص نصف ملتح طويل القامة هو "إلياهو بن أليسار" أول سفير إسرائيلي يتم اعتماده لدى مصر وفقًا لمعاهدة السلام. وعلى استحياء تم الإعلان عبر وسائل الإعلام المصرية عن أن الرئيس السادات سوف يستقبل السفير إلياهو في قصر عابدين ليقدم أوراق اعتماده، ووقع هذا النبأ كالصاعقة على ملايين المصريين الذين اعتادوا اختزال معاناتهم وتجميعها في مخزن الذاكرة. ولم يتمكن شاب في الخامسة والثلاثين من عمره تحمل هذه الصدمة، وكان هذا الشاب هو سعد إدريس حلاوة. وهداه تفكيره الذي لم يطل إلى إحداث فعل يزلزل السلطة -المخطئة من وجهة نظره- فعمد إلى احتجاز ممثلي هذه السلطة في مجتمعه الذين لم يكونوا سوى صغار الموظفين العاملين في مكتب الخدمات التابع للوحدة المحلية بقريته الصغيرة.

في نفس التوقيت الذي كان الرئيس السادات يعانق "بن أليسار" في قصر عابدين اتجه سعد حلاوة إلى مقر الوحدة المحلية بقرية أجهور في القليوبية ومعه حقيبة جلدية بها رشاش ماركة بور سعيد صناعة محلية ومسدس روسي قديم وكمية من الطلقات، وراديو، وكشاف إضاءة وعدد من شرائط الكاسيت تتضمن عددا من الأغاني الوطنية التي غناها عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم.

صعد حلاوة إلى مكاتب الموظفين بالوحدة، وفجأة أخرج من الشنطة الرشاش، وأمر كل الحاضرين بالثبات في مواقفهم بدون أي حركة، لكن تصور البعض أنها مجرد مزحة؛ فسعد حلاوة هو الطيب الهادئ الذي لم يعرفوا عنه إلا الجد في العمل وطيب المعشر، بينما هرب البعض الآخر بلا أي ردة فعل من سعد رغم ما يملك من خزائن رصاص لأنهم يعرفون جيدا وربما هو يعرف أيضا أنه لن يطلق الرصاص أبدا، لم يبق بالغرفة سوى اثنين من موظفي الوحدة ألجمتهما المفاجأة.

أمرهما بعدم الحركة لأنهما رهائن مع وعد بعدم المساس بحياتهما طالما امتثلا لتعليماته، وأوضح لهما أنه لا عداء بينه وبينهما، ومشكلته مع من يستقبلون الأعداء، وبالفعل وضع مكبر الصوت وبدأ يخاطب أهالي القرية الذين ملئوا ساحة الوحدة المحلية وأسطح المنازل المجاورة. وأبلغهم بأنه ليس شريرا ولا مجرما. لكنه قرر أن يتحدى قرار السادات ويثأر لكرامة الوطنية على طريقته الخاصة.

وعلى الفور انتقل الخبر إلى القاهرة وقرر وزير داخلية الرئيس السادات اللواء "النبوي إسماعيل" توجيه قوات الأمن والفرق الخاصة والقناصة إلى قرية أجهور لمواجهة الموقف غير المتوقع أمنيًا. فلم يكن يخطر على بال النبوي إسماعيل أن يأتي رد الفعل الشعبي من فلاح في قرية متواضعة.

امتلأت شوارع القرية الضيقة بالقوات وبدأت المفاوضات عبر مكبرات الصوت بين وزير الداخلية ومحتجز الرهائن سعد حلاوة الذي حذر القوات من أي محاولة لاقتحام المبنى؛ لأنه وضحاياها سيكونون في عداد الموتى، وأعلن مطالبه صراحة، وكانت كالآتي:

طرد السفير الإسرائيلي من مصر، وإغلاق سفارتهم عندنا، وأن يتم إعلان ذلك في بيان رسمي يبث في الإذاعة المصرية مباشرة بعدها يتم إعلان الإفراج عن الرهائن والتسليم للشرطة.

ولكن وزير الداخلية أبلغ الرئيس السادات بالمطالب فسخر منها وأصدر أوامره بالتعامل معه باعتباره مجرمًا. وحاول النبوي إسماعيل إقناع سعد حلاوة بأن يسلم نفسه مقابل عدم تقديمه للمحاكمة ولكنه عاد وكرر مطالبه الواضحة، مع إضافة توجيه سيل من السباب والشتائم إلى الرئيس السادات وزوجته ومعاونيه واتهامهم بالخيانة عبر مكبر الصوت.

استدعى وزير الداخلية النبوي إسماعيل والدة سعد حلاوة للتوسل إلى ابنها بتسليم نفسه، ولكنه ناقش والدته بهدوء وطلب منها أن تقرأ على روحه الفاتحة، ووسط بكاء والدته رفض الاستجابة وتمسك بمطالبه فاستدعوا شيخ القرية وكان صاحب تأثير كبير عليه فيما سبق، ولكن دون جدوى. وكان رد فعل حلاوة أنه أدار شريط الأغاني الوطنية والحماسية في هذه الأثناء. كان الليل قد أرخى سدوله، وأخرج من جيب "البالطو" كشاف ضوء صغيرا اطمئن به على الرهينتين المقيدتين في جانب من الغرفة، بينما فرق الأمن تحيط المبنى من كل اتجاه.

غطت عملية احتجاز الرهائن في قرية أجهور على الخبر الهام المرتبط بتقديم أوراق اعتماد أول سفير لإسرائيل في مصر، وتوجهت معظم وسائل الإعلام إلى موقع الحادث، وبدأت وكالات الأنباء في توزيع الخبر، وشعر الرئيس السادات بالحرج من أصدقائه في تل أبيب والولايات المتحدة فأصدر أوامره للنبوي إسماعيل بإنهاء العملية قبل أن تتوسع أجهزة الإعلام في متابعتها وتغطية تفاصيلها وتحويل سعد حلاوة إلى بطل ربما تجذب قصته آخرين بما يغري بتكرارها. وبالفعل غافل أحد القناصة سعد الذي أرهقه التعب وأدى الظلام إلى توتره وهجم عليه من الحجرة المجاورة موجهًا إليه دفعة رصاص استقر معظمها في الرأس فسقط على الفور بعد أن تهشمت جمجمته.

ومات الرجل الذي حمل السلاح لكنه لم ينو أن يستخدمه؛ لأنه لا يعرف إلا الفأس.. وانتهت العملية بنبأ نشرته صحف صباح اليوم التالي في ركن الحوادث: "مختل عقليًا يحتجز رهائن في إحدى قرى القليوبية".

وبالرغم من التعتيم المحلي على كل تفاصيل الحادث وأبعاده السياسية في ذلك الوقت واتهام صاحبه بالخلل العقلي والجنون، فإن رد الفعل الخارجي كان مدويا، وأصبح للحادثة صدى إعلاميًا مؤثرًا في الأوساط السياسية والثقافية وصل إلى أن يرثي الشاعر الكبير "نزار قباني" سعد حلاوة بقصيدة شهيرة بعنوان: صديقي المجنون سعد حلاوة. وقال نزار عن الرجل في بعض مقاطعها:

سعد إدريس حلاوة
هو مجنون مصر الجميل
الذي كان أجمل منا جميعًا
وأفصح منا جميعًا

ويضيف نزار ناثرًا:

"
وأجمل ما بسعد أنه أطلق الرصاص على العقل العربي الذي كان يقف على شرفة اللامبالاة يوم 26 فبراير 1980، ويتفرج على موكب السفير الإسرائيلي، والقصة انتهت كما تنتهي قصص كل المجانين الذين يفكرون أكثر من اللازم ويحسون أكثر من اللازم ويعذبهم ضميرهم أكثر من اللازم.. أطلقوا النار على المجنون؛ حتى لا ينتقل جنونه إلى الآخرين…".

وبالرغم من النسيان الذي طوى قصة سعد حلاوة داخل مصر فإن الكاتب الصحفي "شفيق أحمد علي" حرص على توثيق ملابسات هذا الحادث الفريد في كتاب يحمل اسم "عملية اغتيال سعد حلاوة"، وبدأه بمقدمة تحمل عنوان: "بعد إذن العقلاء".

ومات سعد حلاوة على أرضه السمراء، لكن كيف تُراه في سمائه الصافية؟

Monday, February 20, 2012

مغامرة حكومة الأخوان


الثلاثاء 21 فبراير 2012

 فهمي هويدي




أفهم أن يطالب البعض بتكليف الإخوان بتشكيل الحكومة في مصر، لكني أستغرب ان يأخذ الإخوان الكلام على محمل الجد، فيشمرون عن السواعد ويشاورون ويرشحون ويرتبون.ثم يقول قائلهم بمنتهى الحماس انهم ليسوا جاهزين من اليوم فقط، ولكنهم جاهزون من أمس أيضًا!

(1)


يثير انتباهنا لأول وهلة، ان بين من يلحون في هذه الدعوة نفر من الكارهين والشامتين والبصاصين الذين كانوا أبواق جهاز أمن الدولة في ظل النظام السابق.



وهي ملاحظة أسجلها بسرعة ولا أدعو إلى الوقوف عندها طويلا، ذلك انني مستعد لافتراض حسن النية لدى الأغلبية، وتفهم الحجة المنطقية التي تقول ان الحزب الحائز على الأغلبية في البرلمان يتعين عليه ان يشكل الحكومة.



علما بأنني لست مشغولا كثيرا بما إذا كان يحق لهم تشكيل الحكومة أم لا، لكن سؤالي ينصب على ملاءمة وجدوى الإقدام على هذه الخطوة في الظروف الراهنة لمصر.

واجابتي السريعة أنني أعتقد ان ذلك ليس في مصلحة البلد ولا في مصلحة الإخوان.أما كيف ولماذا، فذلك ما سأحاول شرحه هذه المرة.

(2)


أرجو ان يكون واضحا في الأذهان ابتداء أنني أتحدث عن حالة مصر ولا أطلق حكما عاما، لاقتناعي بأن مصر لها خصوصية لا تتوافر لأقطار أخرى كثيرة.

إذ هي بلد مركزي يعد مفتاح العالم العربي وعاصمته، كما قال بحق الدكتور جمال حمدان، إذا عزَّت استعادت الأمة عزتها وكبرياءها، وإذا هزمت انكسرت الأمة وذلت.



ولا أعرف ان كانت هذه المقولة تحتاج إلى برهان أم لا، لكنك إذا تطلعت إلى حال الأمة بعدما وقعت مصر معاهدة السلام مع اسرائيل واذا رصدت أصداء هذه السقطة في أرجاء العالم العربي، فلن تحتاج إلى مزيد برهان.


بكلام آخر فان خصوصية الموقع أضفت على مصر أهمية أغرت القوى الكبرى على مدى التاريخ بأن تتطلع اليها وتطمع فيها، حتى تحدث الدكتور حمدان في مؤلفه «شخصية مصر» عن جناية الموقع على هذا البلد.

ضاعف من أهمية مصر في الاستراتيجيات العالمية أمران،

الأول معاهدة السلام مع اسرائيل،

والثاني أنها تتصدر عالما عربيا يختزن النفط الذي تعتمد عليه الصناعة الغربية، الأمر الذي جعل ذلك العالم وعاء مهما للمصالح الحيوية الغربية.


لأن الأمر كذلك، ففي النظر الغربي ثمة «سقف» لأي حراك في مصر والعالم العربي، حيث مسموح لأي دولة ان تفعل ما تشاء مادام ذلك لا يمس من قريب أو بعيد السلام مع اسرائيل أو موضوع النفط الذي بات يوصف بأنه مصلحة غربية عليا.



واذا صح ذلك التحليل فان الدوائر الغربية والاسرائيلية تتوجس من أمرين في العالم العربي

أولهما الاستقلال الوطني

وثانيهما الديموقراطية الحقيقية.



اذ من شأن تحقق أي منهما أو كليهما ان يؤدي في نهاية المطاف إلى اشتباك مع المصالح الغربية والطموحات الاسرائيلية.

لسبب جوهري هو ان استمرار تلك المصالح والطموحات يفترض حالة من «الخضوع» للسياسة الغربية، الأمر الذي لابد ان يصطدم مع استحقاقات الاستقلال أو مقتضيات الممارسة الديموقراطية.



لذلك فاننا لا نبالغ إذا قلنا ان ترحيب واشنطن أو غيرها من الدول المعنية بالربيع العربي مؤقت ومشروط بألا تتعارض ثماره مع ذلك السقف المفروض.

(3)


إذ يممت وجهك شطر الداخل الذي هو الأهم والأساس فسوف تجد ان الأضواء الحمراء تخطف البصر وتفوق الحصر، ذلك ان مصر التي دمرها وشوه مؤسساتها النظام السابق تحتاج إلى بناء جديد.

وذلك هم تنوء بحمله الجبال.اذ لا تحتاج مصر إلى مجرد اصلاح سياسي يتحقق باصدار دستور جديد أو اجراء انتخابات برلمانية، وانما المطلوب والمأمول ان تستعيد مصر عافيتها وتتجاوز حالة التقزيم والاعاقة التي فرضت عليها وأخرجتها من مجرى التاريخ حتى أصبحت مجرد حقيقة جغرافية.



صحيح ان تقدما كبيرا حدث بعد الثورة في مجال الحريات العامة، لكن قائمة المهام المطلوب انجازها طويلة، وحلم النهضة والعدل الاجتماعي يستدعي ملفات أخرى كثيرة تشمل التعليم والصحة والاسكان وغير ذلك من مجالات الخدمات، إلى جانب ملفات الانتاج التي يطل منها كم مقلق من الاشارات الحمراء.



ذلك ان ثمة شبه اجماع بين الخبراء على ان الوضع الاقتصادي في مصر سيكون في أسوأ حالاته خلال السنة المقبلة على الأقل.الأمر الذي لا يتفاءل هؤلاء بتأثيراته وتداعياته الاجتماعية وربما السياسية أيضا.


ولاتزال ترن في أذني مقولة رددها أمامي واحد من أولئك الخبراء.ادعى فيها ان ادارة شؤون مصر في الفترة المقبلة ستكون أقرب إلى العملية الانتحارية، ما لم يتم التصدي للمسؤولية بأكبر قدر من المهارة وأوسع اطار للمشاركة من جانب الطبقة السياسية والقوى الحية في المجتمع.

(4)


إن التحديات الجسام التي تواجه مصر الثورة في الداخل والخارج لا تحتمل التبسيط أو المغامرة.وهي أكبر من الإخوان ومن أي فصيل بذاته.

وأرجو ألا يقارن أحد الوضع في مصر بنظيره في تركيا أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة لثلاثة أسباب.

الأول ما ذكرته توا من ان مصر لها وزن مختلف في الحسابات الاستراتيجية الدولية.

الثاني ان وجود حدود مشتركة ومعاهدة سلام بين مصر واسرائيل له تبعاته التي لا تتوافر لأي بلد آخر.

الثالث ان ما أنجزته تلك الدول هو حصيلة تراكم تواصل عبر فترة تراوحت بين 30 و40 سنة.وحالم أو ساذج من يتصور أنه يمكن ان يستنسخ ما بلغوه من انجاز من خلال «حرق المراحل» ودون أن يتوافر ذلك التراكم.


إننا بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية وليس حكومة إخوانية.ولا يقولن أحد ان الأغلبية البرلمانية ينبغي ان تتحمل المسؤولية مادامت قد عرضت نفسها على الناس وتم التصويت لصالحها.

أولا لأن هذه الأغلبية تمارس المسؤولية من خلال مجلس الشعب الذي يرأسه أحد القياديين في الإخوان.

ثانيا لأن الفوز بالأغلبية لا يعني بالضرورة ان يتحمل الحزب الفائز كامل المسؤولية عن ادارة البلد.وقد وجدنا في تجربة تونس ان حزب الأغلبية تحمل مسؤولية الحكومة في حين كانت رئاسة البرلمان (الجمعية التأسيسية) من حصة حزب آخر، وتولى رئاسة الدولة رئيس حزب ثالث.

ثالثا فانني لا أقول بابتعاد الإخوان تماما عن الحكومة، ولكني أدعو إلى ان يتولى تشكيلها أحد الشخصيات الوطنية الموثوق فيها، على ان تشترك فيها مختلف القوى الوطنية والإخوان والسلفيون من بينهم، ليتحقق بذلك أوسع قدر من التوافق الشعبي.

(5)


قلت قبل قليل إن تشكيل الإخوان للحكومة في الظروف الراهنة ليس في مصلحة البلد، كما أنه ليس في مصلحة الإخوان أو الحركة الإسلامية عموما.

هو ليس في مصلحة البلد لأن دولا عدة غربية بل عربية أيضا سوف تحجم عن تقديم أي معونات أو استثمارات لمصر، ولا أستبعد ان يتكرر مع حكومة الإخوان في مصر ما حدث مع حكومة حماس في غزة.وليس سرا ان من مصلحة تلك الدول اثبات عجز تلك الحكومة وفشلها في مهمتها.


من ناحية أخرى، فان ادارة دولة بحجم وأهمية مصر ناهيك عن ان يستهدف ذلك استعادة مكانتها في مجرى التاريخ تتطلب خبرات لا أتصور أنها متوافرة لدى حركة الإخوان.والسبب في ذلك ان الأنظمة السابقة حرصت على اقصاء عناصرها من مختلف واجهات العمل الوطني.

ولست أشك في ان لديهم من الكفاءات من يستطيع ان يشارك في الحكومة، لكن شكي كبير في قدرتهم على تشكيل الحكومة والاستئثار برئاستها وبأغلب وزاراتها، تبعا لنسبتهم في البرلمان.


من ناحية ثالثة، فانني أخشى ان يتكرر مع حكومة الإخوان ما حدث في تركيا مع نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه حين رأس الحكومة لأول مرة عام 1996.ذلك ان الرجل لكي يستمر في منصبه فانه اضطر لتوقيع أسوأ الاتفاقات الأمنية مع اسرائيل.الأمر الذي أضر بالبلد كما أضر بسمعة شخصه وحزبه.


حين قلت ان تشكيل الحكومة ضار بالإخوان في أنفسهم فقد كان في ذهني أنهم إذا فعلوها فقد يضطرون إلى الاقدام على تنازلات تهدد رصيدهم التاريخي، وقد تهدد شرعيتهم باعتبارهم فصيلا من الحركة الوطنية المصرية.

وستكون العلاقة مع اسرائيل مثلا تحديا واختبارا لهم من اليوم الأول.

اذا سلموا وامتثلوا فقد خسروا أنفسهم وشعبيتهم،

واذا تمنعوا أو رفضوا فقد خسروا علاقتهم مع الأمريكان ومع دول الاعتدال العربي.

وقد قال لي أحد المخضرمين انه لن يستبعد في أول أسبوع لحكومة الإخوان ان تختبرها اسرائيل من خلال شن هجوم على غزة، لكي تتعرف على نواياها ازاءها.


ليس سرا ان بعض الذين يدعون إلى تشكيل حكومة الإخوان يريدون توريطها في كمين منصوب لهم.ذلك ان حرج الظرف وصعوبة الموقف الاقتصادي تحديدا، اضافة إلى العقبات والضغوط التي سبقت الاشارة اليها تجعل المراهنة أكبر على افشال مهمة الحكومة، بما يراد له ان يؤدي إلى قطع الطريق على أي دور للحركة الإسلامية في السلطة لعدة عقود مقبلة، ليس في مصر وحدها ولكن أيضا في العالم العربي بأسره.



وليس سرا أيضا ان ثمة أطرافا داخلية وعربية ودولية يهمها للغاية وقف ذلك المد الذي أوصل الإسلاميين إلى مواقع السلطة ودوائر صناعة القرار.


هذا الذي أقوله ليس مجرد استنتاج، ولكنه يعتمد على معلومات محددة، خلاصتها أنه يجرى في مصر هذه الأيام الاعداد لتشكيل حزب جديد يكون بديلا مرشحا لتسلم السلطة بعد الفشل المرتجى لحكومة الإخوان.



وهذا الحزب يسوقه الآن ويوزع استمارات عضويته بعض ذوي الصلة بالنظام السابق، وهناك كلام مثار حول دعم خارجي له، أسهمت فيه بعض الدول العربية.



أكرر: ما أقوله معلومات وليس استنتاجات


إعلامنا متلبِّسًا بالفتنة


الأحد 19 فبراير 2012
الآن علمنا أنه لم يحدث تهجير للأقباط من قرية شربات التابعة لحى العامرية بالإسكندرية. وتوفر لدينا دليل جديد على أن الفتنة الحقيقية صنعها وأجج نارها نفر من المتعصبين والمهيجين بين المثقفين والإعلاميين، على الأقل فتلك هى خلاصة خرج بها الوفد البرلمانى الذى زار القرية يوم الخميس الماضى 16/2 واجتمع بممثليها من المسلمين والأقباط. وأصدر الجميع بيانا نشرته الصحف أمس (السبت) كشف عن الفضيحة التى لعب فيها إعلام التحريض والإثارة دورا خطيرا للغاية.
كنت واحدا ممن صدمتهم أخبار «تهجير» الأقباط التى جرى الترويج لها والتنديد بها فى وسائل الإعلام المختلفة طوال الاسبوعين الاخيرين على الاقل. وإذ أدهشنى ما قرأت وسمعت فإننى سعيت إلى الاتصال المباشر بأطراف الموضوع لتحرى حقيقة الأمر. وتمكنت من الاستماع إلى شهادات ثلاثة منهم هم: السد نادر مرقص عضو المجلس الملى بالإسكندرية ــ الشيخ شريف الهوارى القيادى بالدعوة السلفية بالعامرية ــ السيد أحمد الشريف عضو مجلس الشعب عن العامرية، وهو من ممثلى حزب النور السلفى. وكانت الخلاصات التى خرجت بها كما يلى:
● أن المشكلة مرت بمراحل متعددة، إذ حين ذاع أمر الصور التى كشفت عن علاقة غير مشروعة بين خياط (ترزى) قبطى وامرأة مسلمة متزوجة، فإن ذلك أثار غضب أهالى القرية المحافظة فخرجوا قاصدين بيت الخياط للتنديد بفعلته، خصوصا أن مجتمع أهل القرية (خليط من العرب والصعايدة والفلاحين) يعتبر المساس بالعرض والشرف جرما أكبر من القتل.
● فى الطريق خرج إليهم لتهدئتهم كبير القبط فى القرية ابسخرون خليل سليمان الشهير بأبوسليمان. وبينما هو يتحدث الى الغاضبين صعد احد ابنائه فوق بيت مجاور وأطلق بعض العيارات النارية فى الهواء لتفريقهم، ثم صعد ابن آخر له وفعل نفس الشىء، وفى رواية أن اطلاق النار تكرر للمرة الثالثة.
● فى هذه الأجواء التى توترت جراء اطلاق النار استدعى احد المسلمين سلاحه الآلى وحاول أن يرد، حيث يبدو أن الأعراف السائدة تعتبر إطلاق النار نوعا من الاهانة يستهدف تخويف الجمع المحتشد، إلا أن بعض السلفيين الذين ظهروا لحماية الاقباط أرادوا منع الرجل المسلم من اطلاق النار، وفى هذه الاثناء انطلقت من سلاحه رصاصات اصابت ثلاثة من المسلمين تبين أن أحدهم فى حالة خطرة، وهو بين الحياة والموت الآن.
● حين حدث ذلك انفلت العيار وتغير الاتجاه، فبعد أن كان الغاضبون يستهدفون بيت الرجل القبطى الذى أقام علاقة غير مشروعة مع السيدة المسلمة، فإنهم صبوا غضبهم نحو مصدر النيران التى اطلقت، وكانت بيوت أبوسليمان وبعض محاله ضحية ذلك، فأحرقت ونهب 3 شقق و4 محال تجارية، فى حين ظل بيت الجانى الاصلى سالما.
● فى هذه الاثناء تولى شباب الدعوة السلفية وعناصر الإخوان حماية بيوت الاقباط ومحالهم. واتفق شيوخ القرية على عقد اجتماع لاحتواء الموقف يمثل فيه كل طرف بخمسة اشخاص، فى مجلس عرفى. وهى الصيغة التى يلجأون اليها لحل المشكلات فيما بينهم، ولهذا المجلس تقاليد مستقرة، بينها إبعاد طرف النزاع من القرية بصورة مؤقتة أو دائمة خصوصا فى حالات القتل، حيث يكون من شأن ذلك حقن الدماء، وفى واقعة أخيرة تقرر إبعاد شاب مسلم من اسرة ابوعقص لأنه قتل ابن عمه (الشقيقان عابد أبوعقص وأخوه ناجى والقاتل ابن الأول).
● فى الاجتماع اقترح القمص بقطر ناشد راعى كنيسة القرية ابعاد الترزى الذى أقام العلاقة مع السيدة المتزوجة، وطرح آخرون ابعاد ابوسليمان أيضا وابنيه اللذين اطلقا الرصاص لإرهاب المتظاهرين، وكان ابناه قد غادرا القرية خوفا على حياتهما، لكن الشيخ شريف الهوارى كبير السلفية اعترض على ذلك، قائلا إن الرجل لا ذنب له، وولداه تحركا بدافع الخوف ولم يقصدا إصابة أحد من المتظاهرين.
● لتهدئة الخواطر تمت استضافة ابوسليمان وولديه لدى بعض الاسر المسلمة المقيمة على حدود القرية، كما تم الاتفاق على عودة الرجل الى قريته حين تتهيأ الاجواء لذلك، وكأن ابوسليمان قد ابدى استعدادا لترك القرية وتصفية اعماله فيها، ولكن جيرانه المسلمين أقنعوه بتغيير رأيه، بعدما تم الاتفاق على تعويضه وتعويض غيره عن أية أضرار أصابتهم جراء غضب المتظاهرين، الذين اختلطت بهم عناصر من المهيجين والعاطلين.
● موضوع الجريمة الأصلية المتمثلة فى العلاقة غير المشروعة بين الرجل والمرأة مصيره بين يدى النيابة وله مسار آخر.
ماذا يقول المرء حينما تتبين له هذه الحقائق على الأرض، بينما إعلام الإثارة وأصوات المتعصبين والمهيجين تصيح وتولول منددة بتهجير الاقباط وإنزال العقاب الجماعى بهم؟ وفى مثل هذه الحالة هل نحتاج إلى طرف ثالث لكى يؤجج الفتنة ويخرب البلد؟

تفاهات وسخافات


الإثنين 20 فبراير 2012
حين أبرزت بعض صحف أمس (الأحد 19/2) قصة ضباط الشرطة الذين يريدون إطلاق لحاهم فى الظروف المواتية الراهنة، قلت: هذا موقف ليس له إلا الشيخ محمد الغزالى. إذ تذكرت يوم أن صادف شابا حضر مجلسا وقد تدلى من فمه «مسواك» ظل يحركه طول الوقت. وهو ما أثار استياء الشيخ فسأله مستنكرا: ما هذا الذى تفعله؟ فرد الشاب قائلا إنه سنة عن النبى عليه الصلاة والسلام، فقاطعه الشيخ قائلا، والاستياء بادر على وجهه: إن «الاستنجاء» سنة أيضا! (مشيرا إلى الاغتسال بعد قضاء الحاجة). وكانت رسالته واضحة وهى أن هناك ملاءمات حتى فى اتباع السنن، وأنه ليس كل سنة تمارس فى أى وقت وفى أى مكان. ومن الكياسة أن توضع السنة فى سياقها ومكانها المناسبين.

نحن نعلم أن السُّنة درجات، وبعضها من العادات والبعض الآخر من العبادات، والأخيرة فيها الملزم وغير الملزم. ومن تطوع فى اتباع ما كان قولا أو فعلا أو إقرارا من السنن فهو خير له. ولست هنا فى مقام الافتاء فى موقع اللحية من درجات السنن، فذلك أمر له أهله. لكنى أتحدث عن الملاءمة فى إطلاقها بالنسبة لرجل الشرطة فى مصر. وأخص مصر بالذكر لأن إطلاق اللحية فى الشرطة والجيش شائع فى الأقطار الخليجية وفى بعض الدول الأخرى مثل باكستان والهند وأفغانستان. بالتالى فأنا أتحدث عن مجتمع ليس من أعرافه أن يطلق رجل الشرطة أو الجيش لحيته. الأمر الذى يعنى أن التصريح بإطلاق اللحية فيه يمكن أن يعبر عن هوية ليس من الصحى إبرازها فى أوساط الشرطة أو الجيش. حيث أزعم أن ذلك قد يكون بابا لفتن لا يعلم إلا الله مداها.
لا أخفى أننى ما أردت أن أناقش موضوع الإباحة والحظر فى إطلاق لحية العسكريين، وإن كنت أسجل أنه بعد الثورة ألغى قرار منع الضباط المتقاعدين الملتحين والسيدات المنتقبات من دخول نوادى القوات المسلحة، فى حين ألحظ ازدراء رسامى الكاريكاتير الدائم بالملتحين، حتى قلت مرة لمن أعرف منهم ليتكم تعاملونهم بذات القدر الذى تصورون به القسس.
ما يشغلنى حقا ليس إجابة السؤال هل يسمح للعسكريين بإطلاق لحاهم أم لا، ولكن يقلقنى طرح السؤال من الأساس، لأننى أزعم أنه حين يأتى ذكر الشرطة على أى لسان، فإن أول ما يخطر على البال هو حال الانفلات الأمنى وإعادة هيكلة الداخلية ليصبح هدفها الدفاع عن المجتمع واحترام المواطن وليس العكس. أما إطلاق اللحى أو حلقها فذلك شأن يهم أفرادا معدودين ولا يهم المجتمع فى شىء. وحين تسلط وسائل الإعلام الأضواء على أمثال تلك الأمور الفرعية وتحولها إلى قضايا عامة، فإنها تؤدى إلى تشويه الرأى العام وإشاعة الخلل فى أولويات المجتمع.
لا أعرف إن كان ذلك مقصودا أم لا، لكنى ألاحظ أننا منذ قامت الثورة نستدرج إلى مناقشة العديد من الأمور التافهة والحوادث الفردية. مرة نتحدث عن مصير المايوه البكينى فى ظل الوضع الجديد. ومرة ثانية نشغل بشخص غطى تمثالا فى الإسكندرية، وآخر وصف التماثيل بأنها من مخلفات حضارة عفنة، وثالث وصف نجيب محفوظ بما لا يليق. وبعد ذلك ننشغل بفرقعة إعلامية أقدم عليها أحد السلفيين حين رفع الأذان للصلاة فى أثناء انعقاد جلسة مجلس الشعب، ثم تقوم الدنيا ولا تقعد لأن محاميا مجهولا اتهم عادل إمام بإزدراء الأديان، ورفع قضية غاب صاحبنا عن جلسة النظر فيها فأصدر القاضى حكمه بحبسه ثلاثة أشهر، ليس إدانة له ولكن بسبب الغياب، فى حين يفترض إلغاء الحكم فى أول جلسة استئناف. وبين الحين والآخر تشغلنا الصحف بقبطية أحبت شابا مسلما أو العكس ثم اختفيا.. إلى غير ذلك من الحوادث الفردية التى تتراوح بين التفاهة والسخافة، وينبغى تجاهلها، إلا أن وسائل الإعلام وبعض المثقفين المتصيدين يحولونها إلى قضايا عامة، وكأنها ظواهر اجتماعية وأمراض يعانى منها المصريون، فى حين أن الشعب المصرى لا علاقة له بكل ذلك، حيث الناس مشغولون بطوابير الخبز وأنابيب البوتاجاز ومشاكل الدروس الخصوصية والبطالة والغلاء وغير ذلك من الأمور الحياتية التى ترهقهم على مدى العام.
إذا تم ذلك التشتيت بحسن نية فقد نقول إنه من قبيل حملات الإثارة الرخيصة. التى تتسابق عليها الصحافة الصفراء. أما إذا فتحنا أبواب سوء النية فإننا لا نجد تفسيرا لذلك الجهد الذى يسهم فيه بعض المثقفين بنصيب وافر سوى أنه يصب فى اتجاه تخريب الرأى العام ومحاولة التشهير والتخويف وإبعاد الناس عن همومهم الحقيقية وإشغالهم بصغائر الأمور ــ لذا وجب التنويه.

Saturday, February 18, 2012

صحيفة أمريكية كبرى: مصر على حق

الأمم المتحدة:نرمين لم تعمل بقضية العذرية



الثلاثاء , 14 فبراير 2012 00:57

أعربت الأمم المتحدة عن صدمتها وحزنها إزاء وفاة السيدة نرمين خليل، المستشارة بهيئة الأمم المتحدة للمرأة إثر إطلاق النار عليها صباح الأحد في حي المهندسين بالقاهرة والتي أثيرت شائعات أن مقتلها جاء نتيجة دورها في التحقيقات حول كشف العذرية الذي قال نشطاء حقوقيون إن المجلس العسكري المصري أجبر فتيات محتجات عليه.

وقالت خولة مطر، مديرة المكتب الإعلامي للأمم المتحدة بالعاصمة المصرية في بيان بثته الأمم المتحدة في نيويورك، إن هيئة المرأة كانت تستعين بالسيدة نرمين خليل أثناء عقد الدورات التدريبية في مجال التنمية البشرية التي كانت متخصصة فيه.

وأضافت عن ملابسات الحادث "كل ما ورد إلينا من أخبار عن عملية اغتيالها أنها كانت في طريقها إلى العمل صباحا، وهي تعمل في أحد المختبرات بالمهندسين، وكانت في أحد الشوارع الرئيسية المزدحمة عادة في ساعات الذروة الصباحية وتعرضت لإطلاق نار، كل ما نعرفه هو أن إطلاق النار قد يكون محاولة لسرقة سيارتها".

وأضافت مطر أن الشهود قالوا إن شخصين ترجلا من سيارتهما وأطلقا الرصاص على نرمين خليل وإن هدفهما على ما يبدو كان سرقة سيارتها إلا أنهما فرا بعد إصابتها بالرصاص.

ونفت خولة مطر ما تردد عن أن السيدة خليل كانت تعمل مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في قضية كشف العذرية.

وقالت "تردد هذا على فيسبوك وتويتر وقامت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بتصحيح الخبر وقالت إن نرمين خليل لم تعمل أبدا في تلك القضية لأن هذا ليس مجال تخصصها، وأيضا لأن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وكل منظمات الأمم المتحدة العاملة في مصر لم تعمل أبدا على موضوع كشف العذرية، ولم تتدخل في هذه القضية أبدا".

وتفسيرا لما تردد عن احتمال أن تكون العملية مستهدفة، قالت خولة مطر إن عددا من الحوادث الإجرامية وقع في الفترة الأخيرة في مصر مما يبدو غريبا على المجتمع المصري، لذا يلجأ الناس إلى عدم تصديقها واعتبار أن خلفها دوافع متعمدة.