Saturday, July 21, 2012

شهادة شيخ القضاة



محمد سيف الدولة

                                                                                         القاهرة فى 15 يوليو 2012

كتب المستشار الراحل الجليل / يحيى الرفاعى ، شيخ القضاة ومؤسس تيار الاستقلال معلقا على سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء مقالا بعنوان ((جرجرة)) قال فيه :
((فى بعض بلاد العالم يصبح القاضى المتمسك باستقلاله كالقابض على الجمر ... فلا يستطيع ان يعلن حكما تستاء منه الحكومة قبل ان يراجع نفسه الاف المرات ، فليس صحيحا على اطلاقه انه لاسلطان على القضاء الا للقانون وضمائرهم ، فالسلاطين كثير . وفى هذا المناخ لابد ان يشك الناس فى استقلال القرار القضائى سواء من حيث مضمونه او توقيته .
فقد نشرت روز اليوسف بعدد 15 يوليو 2000 حوارا شيقا مع الاستاذ الدكتور رئيس مجلس الشعب ، جاء فيه انه كان يتوقع صدور الحكم بعدم الدستورية محل التعليق وان تقرير المفوضين كان معدا منذ ست سنوات وانه فى الاجتماعات المغلقة التى تراسها الرئيس مبارك نوقش توقيت الحكم ، فسأله المحرر : (كلامك يعنى انه كان هناك اتفاق بينكم وبين المحكمة الدستورية العليا لاصدار الحكم فى هذا التوقيت حرصا على الصالح العام من وجهة نظركم وذلك بدلا من صدوره اثناء انعقاد المجلس ...ما رأيك ؟)
فاجاب سيادته : لن ازيد على ذلك ولا تجرجرنى.. المحكمة الدستورية راعت المصالحة العامة ومتطلبات الاستقرار السياسى ))
كتب المستشار الرفاعى هذا الكلام تعليقا على حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 8 يوليو 2000 ببطلان مجلس الشعب لبطلان قانون الانتخابات ، بعد ست سنوات من رفع الدعوى امامها ، والذى لم يصدر الا بعد أن سمح مبارك باصداره !
***
وتحت عنوان "اهمية الثقة العامة فى القضاء" كتب الرفاعى يقول ((ولا مراء فى ان غياب الثقة العامة فى القضاء والقضاة ، لا يؤدى فقط الى عودة العنف وتفشى الظلم والفساد والكساد والتخلف ، وانما يؤدى كذلك الى انحلال جميع الروابط الاجتماعية والقيم الاخلاقية وشيوع البلطجة وانهيار القانون وتقويض دعائم الحكم .
صفوة القول انه بغير قضاء كفء ومستقل تماما اداريا وماليا عن السلطتين الأخريين ، وموثوق به تبعا لذلك ، تتعرى حقوق المواطنين من الحماية القضائية ، ويفسد تكوين السلطة التشريعية ، وتتغول السلطة التنفيذية السلطتين الاخريين ، وتنعدم حريات المواطنين وحقوقهم العامة الخاصة ، ومن باب اولى يكون الحديث عن نزاهة الانتخابات او الاستقرار السياسى او الاصلاح الاقتصادى او الدولة العصرية حديثا للتلهى والتضليل والخداع ومضيعة الوقت
ومن هنا قام حق الامة فى ان تتعرف بكل دقة على احوال قضائها وقضاتها كما تتعرف على احوال جيشها ورجاله وقدرته على حماية الوطن
ومن هنا ايضا كان الدفاع عن استقلال القضاء فى كل فقه وفى كل الاعلانات العالمية . لهذا الاستقلال هو واجب الامة باسرها وواجب كل فرد فيها لانهم يدافعون بذلك عن حرياتهم وشرعهم وسائر حقوقهم وحرماتهم ))
***
وفى موضع آخر كتب ((كيف يقال ان القضاء عندنا مستقل والقضاة مستقلون ، لمجرد النص على ذلك فى الدستور ، فى حين ان كل شئون القضاء والقضاة الادارية والمالية بل الصحية والاجتماعية .. بيد وزير العدل اى بيد السلطة التنفيذية ..
بل ان ادارة التفتيش القضائى التى تحاسب القضاة فنيا واداريا وتاديبيا وتمسك بزمام ترقياتهم وتنقلاتهم وانتداباتهم واعاراتهم ومكافآتهم بالعمل الاضافى ، هى جزء من مكتب الوزير اى جزء لا يتجزا من السلطة التنفيذية .))
***
ولقد ترأس المستشار يحيى الرفاعى مؤتمر العدالة الأول عام 1986 حين كان رئيسا بحق لنادى القضاة ، وهو المؤتمر الذى قدم تصورا كاملا لاستقلال القضاء ومن توصياته ما يلى :
(( اسناد الرقابة على دستورية القوانين واللوائح الى احدى هيئتى محكمة النقض المنصوص عليهما فى المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية بحسب الاحوال ، واعادة سائر اختصاصات المحكمة الدستورية العليا الى القضاء وهو ما يستتبع الغاء الفصل الخامس من الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اذ لا مبرر لقيام هذه المحكمة فى دولة موحدة ))
***
وفى نهاية هذه السطور القليلة التى أخذناها من رسائل التحذير الكثيرة التى اطلقها شيخ المناضلين مبكرا من اجل استقلال القضاء ، والتى حملها بعده الجيل الحالى من القضاة الشرفاء الذين تصدوا لنظام مبارك من خلال ناديهم برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز ، و كانوا راس حربة فى مواجهته ، مما عجل بسقوطه ، وذلك قبل ان تحاصرهم الدولة وتنقض عليهم لانجاح قائمة المستشار الزند فى انتخابات نادى القضاة مرتين : الاولى قبل الثورة فى 13 فبراير 2009 ، والثانية ،ويا للعجب، بعد الثورة فى 24 مارس 2012..
فى نهاية هذه السطور نقول انه قد آن الأوان أن نضع معركة تحرير القضاء وتطهيره ، على رأس أولوياتنا بعدما رأينا ، فى أكثر من مناسبة ، كيف يمكن ان يكون القضاء التابع و المخترق والمقيد ، سلاحا بتارا فى وجه الثورة والثوار .
*****

No comments:

Post a Comment