Monday, June 11, 2012

كأنك ماغزيت! – فهمي هويدي


11 يونيو 2012

 حين تتزامن الدعوة إلى مقاطعة التصويت على الانتخابات الرئاسية المصرية مع تصعيد الحملة على المرشح الدكتور محمد مرسى، فإن ذلك لا يدع مجالا للشك في أن المقاطعة تخدم منافسه الفريق أحمد شفيق.
لم يصرح أحد بذلك بطبيعة الحال، ولكن أي تحليل منطقي يوصل إلى تلك النتيجة. خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار طبيعة وحجم القوى التي تقف وراء كل منهما.
وهو ما نبهت إليه التغريدة (التويته) التي نشرتها صحيفة «التحرير» أمس (10/6) وسخر فيها صاحبها (أحمد منعم) من الدعايات التي تروج هذه الأيام قائلا (بالعامية التي توليت صياغتها بالفصحى):

 لو انتخبنا مرسى فلن نستطيع أن نخلعه لأن وراءه جماعة،
أما إذا انتخبنا الفريق شفيق فإن ذلك سيكون سهلا للغاية، لأن الذين وراءه ليسوا سوى الجيش والشرطة وأمن الدولة والحزب الوطني والمخابرات:
(لم يذكر جهاز الإدارة ولا الإسرائيليين والأمريكان أو دول «الاعتدال» العربي التي تحالفت مع مبارك).

سلط الشاب صاحب التغريدة الضوء على نقطة إما غابت عن كثيرين أو أن البعض تكتمها وحرص على ألا يلفت الانتباه إليها.
ذلك أن الصراع في الحملة الانتخابية الراهنة يدور في حقيقة الأمر بين الماكينة الدعائية والإعلامية إضافة إلى الجموع الموالية لكل من المرشحين.

وهذا الصراع يستهدف الملايين الواقعة في الوسط، ولم تصوت لهذا المرشح أو ذاك.
وهناك وسيلتان لجذب أو إبعاد تلك الملايين.
واحدة تدعو إلى المقاطعة وإبطال الصوت،
والثانية تعمّد تشويه أحدهما للآخر.. وهو ما لم يقصر فيه الفريق شفيق.

فكرة المقاطعة تنطلق من رفض المرشحين الاثنين بعد وضعهما في كفة واحدة، واعتبار أن كلا منهما أسوأ من الآخر.
وذلك تصور مغلوط معرفيا وقاصر سياسيا.
وكنت قد ذكرت من قبل أنه حين قامت الثورة فإن الدكتور مرسى كان في السجن، بينما كان الفريق شفيق على رأس الحكومة.
من ثم فإن المساواة بينهما لا تفرق بين السجين والسجان،
ثم إن الأول كان واقفا في مربع الثورة،
في حين كان الثاني منخرطا في قمع الثورة. ناهيك عن أن تغريدة الشاب التي ذكرتها كافية في التدليل على القوى التي تقف وراء كل منهما.

من الناحية السياسية، فإنني أستغرب موقف بعض المثقفين والرموز السياسية الذين قاموا بتبسيط المسألة وقرروا الإضراب عن التصويت، واختاروا الجلوس في صفوف المتفرجين بحجة أنهم لا يريدون المشاركة في «إثم» التصويت لأي منهما. وهو أمر لا يستقيم ولا يفهم حين يتعلق الأمر بمصير الوطن ومستقبله، بل ومصير الثورة ذاتها. ذلك أن الاختبار الحقيقي للسياسي لا يكون بتخييره بين الجيد والرديء أو بين الأبيض والأسود. حيث ذلك أمر بمقدور كل أحد.
ولكن كفاءته تقاس بقدرته على التميز بين ما هو سيئ وأسوأ، والقبول بالسيئ مؤقتا لتجنب مضار الأسوأ.

إنني لا أتصور سياسيا في موقع المسؤولية يواجه موقفا من ذلك القبيل، فيؤثر الانسحاب ويغادر الساحة لكي يقعد في بيته. وهو إذا فعلها فإنه بذلك يعلن عن قصور خياله السياسي وعجزه عن اتخاذ القرار في المواقف الصعبة.

إن النتيجة الطبيعية للمقاطعة أو إبطال الصوت هي إضعاف الطرف المنتسب إلى الثورة، وترجيح كفة الطرف الممثل للثورة المضادة. ليس ذلك فحسب وإنما إذا استمرت الأمور على ذلك النحو، فإننا سوف نعيد إنتاج معادلة الصراع بين السلطة والإخوان المستمرة منذ أكثر من 60 عاما.
وسنجد أن أغلب عناصر العلمانيين والليبراليين واليساريين قد عادوا إلى موقفهم التقليدي الذي انحاز إلى صف الاستبداد للسلطة، مدفوعين في ذلك بكراهيتهم للإخوان، ومسقطين من حسابهم أية مصلحة وطنية عليا. بل وغاضين الطرف عن الممارسات البائسة للسلطة على صعيد السياسة الخارجية، وقد تابعنا إرهاصات تلك السياسة في خطاب الفريق شفيق، الذي بدأ مشتبكا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومهادنا لإسرائيل، التي لم تخف حفاوتها البالغة باحتمالات انتخابه رئيسا لمصر لتستعيد بوجوده «كنزها الاستراتيجي».

إذا أطل الناظر على الساحة السياسية المصرية الآن فسيجد فيها ثلاث قوى هي:
 الحزب الوطني الذي لاتزال له امتداداته في أرجاء مصر ــ والإخوان ــ وقوى الثورة.
وإذا جاز لنا أن نمد بصرنا إلى ما بعد السنوات الأربع الأولى التي هي مدة الرئاسة، فسوف يتراءى لنا مشهدان،
إذا انتخب الدكتور محمد مرسي فستكون القوى الموجودة في الساحة هي الإخوان وقوى الثورة.
أما إذا انتخب الفريق شفيق فإن ذلك سيؤدي إلى تنشيط مختلف عناصر الرفض وأركان الثورة المضادة، مستغلة في ذلك إمكانات الدولة لتثبيت أقدامها وتصفية أو قمع قوى الثورة، الأمر الذي سيسفر بعد السنوات الأربع عن مشهد تختفي فيه قوى الثورة، وتتم استعادة المواجهة بين الإخوان والحزب الوطني ــ وكأنك يا أبوزيد ما غزيت

No comments:

Post a Comment