Tuesday, June 12, 2012


فى معايير المفاضلة والاختيار بين «مرسى» و«شفيق»

حسن نافعة
09/06/2012

يتوجه ملايين الناخبين المصريين يومى 16 و17 القادمين إلى صناديق الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم فى جولة ثانية وأخيرة من الانتخابات الرئاسية. ولأنها ستجرى بين مرشحين يثير احتمال وصول أى منهما إلى المقعد الرئاسى مخاوف كبيرة وحقيقية، فمن الطبيعى أن يشعر غالبية المصريين بعدم الاطمئنان وبالقلق الشديد مما قد تسفر عنه نتيجة هذه الجولة، بصرف النظر عن اسم الفائز بالسباق فى نهاية المطاف.
ليس بوسع أحد أن يتنبأ منذ الآن بما قد يحدث فى جولة الإعادة. وتشير التقديرات الأولية إلى أن نسبة المشاركة فى التصويت ستكون أقل بكثير مما كانت عليه فى الجولة الأولى، ما لم تطرأ مستجدات تدفع بالعازفين إلى تغيير موقفهم والمشاركة فى الجولة الثانية بكثافة. وبافتراض أن نسبة المشاركة فى التصويت ستظل على حالها، وأن الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع فى الجولة الأولى هم أنفسهم من سيتوجهون إلى الصناديق فى جولة الإعادة، فمن المتوقع أن تتوزع أصواتهم على النحو التالى:
1- جزء من الناخبين سيصوت حتما لصالح أحد المرشحين، ليس من المتوقع أن تقل نسبته عما حصل عليه كل منهما فى الجولة الأولى، بصرف النظر عن دوافعه ومبرراته.
2- أما الجزء الباقى من الناخبين فسيتوزع تصويته على النحو التالى: أ- النسبة الأقل تبدو كأنها قد حسمت أمرها بالفعل، أو من المتوقع أن تحسمه خلال الأيام القليلة المقبلة، وقررت التصويت لصالح أحد المرشحين، ليس اقتناعا به لكن خوفا من فوز المرشح الآخر الذى ترى فيه خطرا أكبر على مصر. ب- النسبة الأكبر تبدو كأنها لم تحسم أمرها بعد، وبالتالى قد ينتهى بها المطاف إما إلى عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع أصلا، تعبيرا عن موقف احتجاجى، أو إبطال صوتها حتى لا يستفيد به من ترى أنه لا يستحقه.
غير أنه يتعين على هذه الكتلة الكبيرة والمتأرجحة من الناخبين أن تدرك أن موقفها التصويتى، بالامتناع أو بالإبطال، سيؤثر كثيرا على النتيجة العامة وسيصب حتما فى اتجاه ترجيح كفة هذا المرشح أو ذاك. ولأنه سوف يتعين على رموزها أن تتعامل لاحقا مع أحدهما، بوصفه الرئيس المنتخب، أيا كانت نسبة الأصوات الصحيحة التى حصل عليها، فسوف يكون عليها أن تقرر منذ الآن ما إذا كانت تفضل التعامل مع مرسى أم مع شفيق. وأظن أن الحنكة السياسية تقتضى فى هذه الحالة التصويت لصالح المرشح الذى تفضل التعامل معه مستقبلا، كى تضمن فوزه، وأن تعلن موقفها لناخبيها وتشرح لهم مبرراته ودواعيه بكل وضوح. فهناك فرق كبير بين أن تتعامل رموز هذه الكتلة التصويتية مع مرشح يدرك أنه فاز بأصواتها، وليس رغما عنها أو ضد إرادتها، حتى ولو بدت غير متحمسة له وغير راضية عنه.
فى سياق كهذا يتعين على القوى السياسية التى تعتبر نفسها جزءاً من «التيار الثالث» أن تميز بين استراتيجيتين مختلفتين:
الاستراتيجية الأولى: تعمل على فوز المرشح الأسوأ، من منطلق سهولة الحشد ضده، تمهيدا لإسقاطه شعبيا والوصول بسرعة إلى اللحظة التى يتعين فيها إجراء انتخابات مبكرة جديدة. ولأن شفيق يعتبر الهدف الأسهل فى استراتيجية الحشد والتعبئة، على الصعيدين النخبوى والجماهيرى، فمن المتوقع أن يفضل البعض فوزه، خصوصا أنه يمكن للتيار الثالث أن يعمل فى هذه الحالة بالتنسيق مع تيار إسلامى واسع يعتقد البعض أنه سيكون أكثر استعدادا هذه المرة للاستفادة من دروس المرحلة السابقة والعمل على تصحيح ما ارتكبه خلالها من أخطاء كانت قد أسهمت إلى حد كبير فيما آلت إليه الأمور.
الاستراتيجية الثانية: تعمل على فوز المرشح الأقل سوءا، وربما الأكثر قابلية واستعدادا للبحث عن حلول وسط، لإخراج البلاد من أزمتها المستحكمة الراهنة، من منطلق أن الإخوان كانوا جزءاً لا يتجزأ من الحركة الاحتجاجية المقاومة لنظام الفساد والاستبداد، الذى سقط رأسه ويحاول العودة الآن لليهمنة المنفردة من جديد. ولأن جماعة الإخوان المسلمين تبدو الآن فى أضعف حالاتها، فمن المتوقع أن يفضل البعض فى هذه الحالة فوز مرسى والتعامل مع الجماعة من موقع الندية.
ومن الواضح أن لكل من هاتين الاستراتيجيتين أنصاراً ومعارضين، وحججاً وحججاً مضادة يمكن الدفاع عنها أو دحضها. غير أنه يتعين فى الوقت نفسه أن يسارع الطرفان بحسم النقاش الدائر بينهما الآن، وفى أسرع وقت ممكن، حتى يكون بوسع «التيار الثالث» أن ينظم نفسه وأن يتفق على استراتيجية فاعلة للتعامل مع رئيس الجمهورية الجديد، بصرف النظر عما إذا كانت ستتمحور حول مواجهة محتملة مع الرئيس القادم أو حول البحث عن حلول وسط، لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة. وقد لاحظت أن قطاعا لا يستهان به من التيار المحسوب على الثورة بدأ يدعو صراحة للتصويت لصالح شفيق.
إن أخطر التحديات التى يمكن أن يواجهها «التيار الثالث» فى مرحلة ما بعد الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة هو الانقسام على نفسه من جديد، وهو ما قد يؤدى إليه العجز عن تحديد موقف واضح من التصويت فى جولة الإعادة. وفى تقديرى أنه ما لم يكن بوسع هذا التيار أن يحدد موقفا تصويتيا موحدا من جولة الإعادة يتوجه به إلى ناخبيه، فلن يكون بوسعه بلورة استراتيجية موحدة للتعامل مع النظام الجديد يمكن لأغلبية المواطنين أن تلتف حولها. ولأننى أعلم يقينا أن العديد من القوى التى لم تصوت لأى من المرشحين الفائزين فى جولة الإعادة لاتزال تسعى للاتفاق على موقف تصويتى موحد، فمن الأفضل أن يلتزم به كل القوى والرموز التى تعتبر نفسها جزءاً من هذا «التيار الثالث». غير أن هذا لا يحول دون توضيح ـ أو بالأحرى إعادة توضيح ـ موقفى الشخصى من مسألة شديدة الأهمية.
واتساقا مع ما سبق أن قطعته على نفسى من التزامات تجاه قارئ أعتز به كثيرا، أرجو أن يسمح لى بتحديد وجهة نظرى من قضية التصويت فى جولة الإعادة، وذلك على النحو التالى:
سبق لى أن أوضحت، وقبل أن تبدأ الجولة الأولى من الانتخابات، تصوراتى المحتملة للسيناريوهات المتوقعة لنتائج هذه الجولة، مؤكدا أن أسوأها على الإطلاق هو أن تكون جولة الإعادة بين مرسى وشفيق، وهو ما لم أستبعده. كما سبق لى أن شرحت تفصيلا طبيعة وأسباب مخاوفى فى حال فوز شفيق أو فوز مرسى بالمقعد الرئاسى. وما زلت عند رأيى.
سارعت، فور ظهور المؤشرات الأولى لنتائج هذه المرحلة بتحديد موقفى من انتخابات الجولة الثانية، وذلك على النحو التالى: «عندما تكون المفاضلة الوحيدة المطروحة للاختيار فى جولة الإعادة بين مرشح الجماعة ومرشح الفلول، فلن أتردد شخصيا فى اختيار مرشح الجماعة، لأن الصراع فى هذه المرحلة هو بين الثورة والثورة المضادة. غير أننى لست واثقا أن تلك ستكون نفس طريقة تفكير أغلبية من لم يصوتوا مثلى لأى من المرشحين الحاليين فى الجولة الأولى (راجع مقالنا بعنوان: «وماذا بعد»، 27/5)، وما زلت عند رأيى».
تمنيت لو كان باستطاعة الدكتور محمد مرسى أن يطرح نفسه، باعتباره مرشحا للثورة، وليس للجماعة وحدها، مناشدا إياه أن يشرع فى اتخاذ إجراءات محددة، لتذليل العقبات التى تحول دون تشكيل الجمعية التأسيسية وللتوقيع على «وثيقة العهد». غير أن سلوك الجماعة لايزال، للأسف، يتسم بالبطء ويمارس نفس النهج المناور المعتاد، ومازلت أتمنى أن تغير الجماعة موقفها، وأن تحسم أمرها قبل يوم 25 من هذا الشهر. وفى جميع الأحوال لن يغير ذلك من موقفى المبدئى شيئا، لكن على الجماعة فى هذه الحالة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة عن فوز شفيق.
لقد لاحظت أن عددا من الرموز المحسوبة على الثورة بدأ يعلن مؤخرا انحيازه الواضح والصريح لأحمد شفيق، ويطالب صراحة بالتصويت له، من منطلق أن الاختيار المطروح على الوطن هو بين «دولة دينية» تمثلها جماعة الإخوان المسلمين و«دولة مدنية» يمثلها شفيق، وأيضا من منطلق أنه يسهل التخلص من شفيق بعد أربع سنوات، بعكس الجماعة التى لن ترحل عن السلطة أبدا، إذا تمكنت من الإمساك بمفاتيحها. غير أننى لست مع هذا الطرح على الإطلاق، فأحمد شفيق هو رمز «الدولة البوليسية» التى يجسدها النظام السابق، وأحد أهم إفرازاتها. ولأنه، كشخص، لا يملك من أمره شيئا، فسيكون مجرد دمية فى يد شبكة هائلة من مصالح داخلية وخارجية لا تريد لمصر أن تتغير وأن تنهض. وحتى بافتراض أن أحمد شفيق قد يرحل بعد أربع سنوات، فسوف يأتى أى شفيق آخر ليقوم بالدور نفسه. هذا لا يعنى أبدا التقليل من المخاطر الناجمة عن احتمال هيمنة الإخوان، غير أنها تعد، فى تقديرى، أقل شأنا مقارنة بالخطورة التى تمثلها شبكة مصالح داخلية وخارجية، يبدو واضحا تماما أنها تبذل محاولات مستميتة لإجهاض الثورة. أما القول بأن الشعب المصرى لن يعود أبدا إلى ما كان عليه، ولن يقبل إعادة إنتاج النظام القديم، فهو قول يصلح للاستخدام فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين كما فى مواجهة شفيق، أو أى جماعة أو قوة أخرى تريد أن تستبد بهذا البلد.
ولأننى أتمنى لمصر أن تقودها فى هذه المرحلة شخصية أخرى، غير شفيق أو مرسى، تعمل على لم الشمل وتحقيق المصالحة الوطنية وليس تعميق حالة الاستقطاب القائمة حاليا، فمازلت متمسكا بالأمل فى حدوث معجزة فى اللحظة الأخيرة. وعلى سبيل المثال فقد تفاجئنا المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس القادم برفض الطعن المقدم من لجنة الانتخابات فى قانون العزل السياسى، رغم قناعتها بعدم دستورية القانون نفسه، لأن قرار الإحالة صادر عن غير ذى صفة. وإذا حدث ذلك فسوف يكون على اللجنة أن تبدأ من أول السطر، وأن تفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة من جديد. وهذا هو الطريق الأسلم، على الرغم من أنه قد يطيل بقاء المجلس العسكرى شهرين آخرين!.

No comments:

Post a Comment