Thursday, January 27, 2011

انتفاضة العدالة والحرية والكرامة في مصر

بقلم:عادل الجوجري
رئيس تحرير مجلة الغد العربي
القاهرة
مصر لم تزل ...ما انهار شعبها العظيم ..ما انهزم.
هكذا تدفق ألاف المصريين  منذ الصباح الباكر يوم الثلاثاء 25يناير في انتفاضة غضب تنهد لثورة ياسمين لاشك قادمة تردد هتافات ضد حسني مبارك استجابة لنداء جيل الغضب،جيل الانتفاضة على الفقر والبطالة والقمع ، وقد اختار الشباب مناسبة عيد الشرطة للاحتجاج على القمع البوليسي الذي صار سمة عهد مبارك مشفوعا بقوانين الطوارئ التي حمت عرشه.
ورغم الإجراءات الأمنية ونزول مايقرب من 200ألف جندي امن مركزي إلى القاهرة والجيزة إلا أن الانتفاضة نجحت في إيصال الرسالة قوية ومعبرة  إلى الحاكم المستبد الذي لازال يبحث عن فرصة لتمديد وجوده في السلطة رغم انه بلغ من العمر أرزله.

كانت الهتافات بليغة وتعكس أحوال الناس عن حق"يامبارك يامبارك... السعودية في انتظارك"
و"يا جمال قول لأبوك كل الشعب بيكرهوك" ...و"حسني حسني بيه كيلو اللحمة ب 70 جنيه" ونجح المتظاهرون الشباب في حث المواطنين على كسر جدار الخوف والمشاركة فعليا في التظاهرات ،وشاركت مئات السيدات وهن يهتفن ضد مبارك ويطلبن منه الرحيل وترك الحكم لجيل جديد يستطيع أن يحقق آمال الشعب بعد النتائج الكارثية التي ترتبت على استمراره في الحكم ثلاثة عقود متتالية"30سنة"
هذه بداية الغيث فقد نزل المواطنون إلى الشارع في عدة محافظات مصرية ينددون بالحكم الفردي البوليسي الخانق،ويطلبون التغيير والعدالة والحرية ،وهي نفس شعرات ثورة الياسمين في تونس ،الأمر الذي يؤكد أن ظلم الحكام كان سببا في توحيد الوجدان العربي ،فمبارك نسخة مكررة من علي عبد الله صالح وزين العابدين والقذافي والملوك الفاسدين الذين مادخلوا مدينة أو قرية إلا وافسدوا فيها وأشعلوا نار الحقد الطائفي تارة والحنق الاجتماعي تارة أخرى.
وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2003 عندما تظاهر الشعب المصري ضد الغزو الانجلو أميركي على العراق يخرج آلاف البشر في محافظات الوجه البحري والصعيد والإسكندرية حيث زحف مايقرب من 30الف متظاهر إلى ميدان محطة الرمل ونددوا باستمرار حكم مبارك وهم يهتفون"كفاية ذل كفاية عار.. ياللي حرقت الناس بالنار".
والشاهد أن هناك عدة ظواهر سياسية واجتماعية حفلت بها تظاهرات الغضب التي تؤرخ لميلاد عهد جديد في مصر يكتب نهاية لحكم مبارك ويفتح  الآفاق أمام عهد جديد يتسم بالعدالة والحرية وينهي الحكم البوليس منهجا وأسلوبا هذه الظواهر هي:
أولا:ميلاد جيل جديد من الثوار يولد من رحم معاناة في مصرهو جيل الشباب من  حركة الفيس بوك والمواقع الاليكترونية من أبناء عولمة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العمل والصحة والتعليم،  أنهم حماة عزة مصر وعروبتها ضد الخنوع والتبعية لأميركا والصهيونية العالمية ..إنهم شباب 6 إبريل  وحشد والكرامة والغد والجبهة وكفاية وأساتذة 9ابريل والقيادات النبيلة من نواب الناصريين والإخوان،وهم يشكلون مع آخرين البرلمان الشعبي الموازي أو البديل  إن شباب الفيس بوك هم قلب حركة التظاهرات الشعبية التي تنتقل مثل نسيم الحرية من عاصمة إلى أخرى،وهم  عصافير الجنة يزقزقون من اجل حرية غائبة في التظاهرات التي شهدتها البلاد يوم 25يناير "يوم عيد الشرطة"في القاهرة وكفر الشيخ والإسكندرية والسويس والمنصورة ،وأسيوط  وشاركت فيها حركات احتجاجية شبابية هامة من بينها حركة كفاية و9مارس وأحزاب الكرامة ،  والتي عبرت عن رفض قاطع لنظام مبارك وسياساته ورجاله وتزويره وفساده ونهبه للمال العالم.بينما  غاب عنها حلفاء النظام من أحزاب التجمع والوفد والأحرار وغيرها من أحزاب ورقية هي في الأصل صنيعة الأجهزة الأمنية.
إن جيل ثورة الياسمين الذي أطاح بالديكتاتور بن علي في البلاد الخضراء ،من أخوة الشاعر  أبو القاسم الشابي شاعر الثورة التونسي- العربي-  الكبير يتفتح اليوم في مصر واليمن والأردن والجزائر وسوف يتفتح مجددا في باقي الأقطار العربية زاحفا على القصور المالكية التي تحكم الوطن العربي بالحديد والنار تقتلع كل الحكام الذين يجثمون على صدور الشعب منذ عقود دون أن يغيروا من أنفسهم أو يتغيروا.
هذا جيل الغضب الذي يتابع مايجرى من تقدم ونهضة في دول العالم ويرصد الحريات التي يحصل عليها الشعوب في العالم كله فيتحسر على الأوضاع المزرية التي تعيشها أقطار الوطن العربي من ردة وتخلف واستبداد ونهب ...أنهم ينظرون إلى الخريطة السياسية في العالم فلا يجدون حكاما يحكمون لمدة عقود إلا في أوطاننا من نوع القذافي ومبارك وعلي عبد الله صالح وقابوس وجميعهم يحكمون حتى نهاية العمر حتى وان أصابهم الخرف كما حصل من قبل في نموذج بورقيبة.
أن جيل الغضب العربي ينظر بدهشة إلى حكام جهلة لايعرفون كيف يوقعون أسمائهم ولا يعرفون أي لغة حتى اللغة العربية الصحيحة لايعرفونها ،لايعرفون الشعر ولاقواعد النحو والصرف،ولا يعرفون عن الاحتجاج الاجتماعي والغضب السياسي إلا مايأتيهم من تقارير الأجهزة الأمنية التي تزيف-عادة- الصورة،وتصور للحاكم أن الشعب راض عنه وأكثر.
هؤلاء الحكام يسخر منهم حكام وشعوب العالم ومن ثم يسخر منهم جيل الشباب الجديد الاليكتروني الذي يرى الدنيا كلها في غرفته وعلى جهاز الكمبيوتر فيرى الفجوة بين عالم متحضر تجري فيه انتخابات حرة وفق دستور له احترامه وإجلاله وفي وجود آليات رقابة وشفافية ، وبين انتخابات برلمانية بائسة في مصر حيث التزوير الرسمي الفاضح منقوش على وجه النظام ،والدليل في مهزلة مايسمى انتخابات مجلس الشعب المصري الأخيرة التي أدت إلى احتكار الحزب الحاكم على نسبة 97% بدون ادني خجل فقد تم استبعاد كل أحزاب المعارضة والإخوان المسلمين والمستقلين وحتى شرفاء الحزب الوطني تم استبعادهم بدم بارد وعلى يد الغزاة الجدد من نوع احمد عز وعصابته التي نهبت أراضي مصر وسيطرت على ثرواتها واحتكرت تجارة الحديد والاسمنت،وتحكمت في أسعار الشقق والبيوت وفرضت الضرائب الحرام على الفقراء بينما يجد الأثرياء ألف طريقة للتهرب الضريبي.
ثانيا :إن القيادات الطبيعية للأمة نزلت إلى الشارع وعادت إلى المحافظات تقود الجماهير وكما كان النائب حمدين صباحي يقود الجماهير في بلطيم بالآلاف،و كانت هناك قيادات في السويس ودمياط والمحلة بينما اختفت قيادات الحزب الحاكم في المخابئ فهي لاتقوى على مواجهة الجماهير من جيل الغضب الذي يردد اليوم رسالة الشابي التاريخية التي لخصها في  ثلاثة أبيات من الشعر والتي تمثل برنامجا ثوريا للتغيير الشامل الذي تتوق له الجماهير بعد عهود من الظلام والقهر والاستبداد ونهب ثروات البلاد هذه الأبيات هي:
إذا الشّعْبُ  يَوْمَاً  أرَادَ   الْحَيَـاةَ       فَلا  بُدَّ  أنْ  يَسْتَجِيبَ   القَـدَر
 وَلا بُـدَّ  لِلَّيـْلِ أنْ  يَنْجَلِــي          وَلا  بُدَّ  للقَيْدِ  أَنْ   يَـنْكَسِـر
وَمَنْ  لَمْ  يُعَانِقْهُ  شَوْقُ  الْحَيَـاةِ        تَبَخَّـرَ  في  جَوِّهَـا   وَانْدَثَـر
ثالثا: إن انتفاضة الثلاثاء سوف ترسم خريطة مستقبل مصر في الأعوام القادة حيث لاتمديد ولا توريث ولا استعباد ولا استعمار بعد ذلك، لقد ثبت أن الشعب المصري لايخاف من العصى الغليظة ولا ترهبه جحافل الشرطة بل هو شعب شجاع يستطيع أن يحصل على حريته، وان يدفع الثمن راضيا وان يقدم الشهداء مثل شعب تونس وفي مصر قيادات طليعية من كل التيارات والروافد الفكرية والسياسية قادرة في التعبير عن طموحات شعب عريق ابتلي بنظام حكم غير رشيد،
وصل إلى الكرسي الرئاسي بغير حق واستمر فيه بغير حق لكن الحق الوحيد هو إزالته تماما وإزاحته إلى المكان الذي يستحق إلى جوار صديقه المخلص زين العابدين الذي لم يعبد يوما ألا الدولار والكرسي.

No comments:

Post a Comment